التدريس بالنصوص والإنشاء الفلسفي

العلاقة بين التدريس بالنصوص والإنشاء الفلسفي

لما كان كل درس فلسفي يقوم أساسا على إشكالات، فان مسألة ضبطها وصياغتها يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل مدرس، سواء على مستوى ماهو معرفي أي استثمار المواقف والأطروحات الخادمة للإشكال وابتكار وضعيات مشاكل، أو على مستوى منهجي حيث يخضع الدرس لمجموعة من الخطوات التي يجب على المدرس أن يطوعها لخدمة وتنمية مهارات التلميذ وذلك باعتماد استراتيجات متعددة في مقاربة النصوص، "من هنا ينبغي التميز بين وضعية النص الفلسفي وكيفية الاشتغال عليه أثناء عملية بناء الدرس وبين كيفية تحليله والاشتغال عليه في سياق الكتابة الإنشائية الفلسفية" على اعتبار أن مكانة النص الفلسفي تختلف حسب الأهداف المراد تبليغها من إستثماره، سواء كان نصا يمكن من بناء الدرس، أو خدمة تمرين التلميذ على مهارة من مهارات الإنشاء الفلسفي.

 فأثناء الدرس "غالبا ما يتم التعامل مع نصوص تختلف من حيث طولها او قصرها، إما تعاملا وظيفيا يتمثل في البحث فيها عن أطروحات فلسفية للإجابة عن الإشكالات المطروحة في محاور الدرس أو من أجل التمرن على بعض المهارات التي يرتكز عليها التفكير الفلسفي، مثل قدرات المحاجة على الأفكار وبناء المفاهيم أو ممارسة فعل الاشكلة، وتقنيات الاستنتاج والنقد والتركيب وغير ذلك"، فهنا يكون المدرس ازاء تعاطيه مع النص مقتصرا توظيفه في إطار بناء الدرس على استخراج أطروحة تجيب بشكل مباشر على الإشكال المراد معالجته ومناقشة المواقف التي سبق تناولها في إطار نفس الإشكال، أو الوقوف عند تمفصلات النص، وما يحمله من إمكانيات للممارسة التفكير الفلسفي، المتمثلة في المحاجة على الأفكار، كأن يقوم الفيلسوف بانتقاد موقف يعالج نفس الإشكال أو تدعيم موقف آخر، أو يعرض مجموعة من الأفكار وينتهي إلى تركيب واستنتاج الخلاصات النهائية المجيبة عن الإشكال أو يبرر ما يطرح في نظره إشكالا دون آخر خاصا بموضوع تفكيره الفلسفي.  

هكذا يمكن القول على إن التعامل الوظيفي للنص الفلسفي يكون خادما للإنشاء الفلسفي ، على إعتبار أن أوجه التعامل الوظيفي مع النص، والهادفة إلى تنمية قدرات التفكير الفلسفي (تقديم الأطروحات، فعل الأشكلة، بناء المفاهيم، قدرات المحاجة، تقنيات الاستنتاج والنقد والتركيب ...) هي نفسها المهارات التي يطالب بها التلميذ كخطوات لمنهجية الإنشاء الفلسفي.

 أما الوجه الآخر في التعاطي مع النص يكون بتحليله  "تحليلا متكاملا يستهدف مقاربة النص من جوانب متعددة تتعلق بالاشتغال على بنيته المفاهيمية، ثم استخراج أفكاره وأطروحاته، ليتم بعد ذلك الوقوف عند إشكاله الرئيسي، كما قد تتم مقاربته من زاوية أساليبه وبنيته الحجاجية من أجل التعرف على منطق التفكير الذي يحكم أجزاءه وعناصره الأساسية، فضلا عن مناقشته بعرض أفكاره على محك الواقع والتجارب الإنسانية من جهة، ومقارنتها بأفكار وأطروحات فلسفية مناوئة أو مساندة من جهة أخرى، كما يمكن في نفس الإطار أن يتم الاشتغال على النص في درس الفلسفة من أجل إنجاز بعض التمارين الجزئية، التي تستهدف تمهير التلاميذ على بعض القدرات التي يستدعيها الإنشاء الفلسفي، أو قد تقوم جماعة الفصل باتخاذه كأرضية لكتابة إنشاء فلسفي منظم ومتكامل"، يمكن هذا التعامل مع النص الأستاذ في سياق بناء درسه بمعية التلميذ الوقوف بشكل مباشر عند أهم المراحل التي يجب تمهير التلميذ عليها والتي يكون ملزما باستحضارها عند كتابة الإنشاء الفلسفي، فالتعامل الوظيفي مع النص الفلسفي تكون له علاقة مباشرة مع الإنشاء الفلسفي وخادما له.

إن تناول النص الفلسفي - كما ذكرنا سابقا – باعتباره مجالا لتمهير التلميذ على القدرات التي يستدعيها الإنشاء الفلسفي،  حيث يجعلنا هذا التناول أمام تمرين يساهم في تعلم التفلسف بطريقة منظمة، فلا يمكن لأي واحد منا كما يقول شيلينغ "أن يصل إلى تعلم التفلسف دون تمرين، بقدر ما لا يمكننا إلا أن نتفلسف بشكل طبيعي مثلما نفكر طبيعيا"،  فاستثمار النص الفلسفي من هذا الجانب يقتضي الوقوف عند أهم الخطوات التي تتم فيها عملية التمهير، والتي تمتثل أساسا بحسب مكانة النص وغرضه لتنمية كل مهارة على حدى، فكل نص داخل الحصة إلا ويتم اختياره بمبرر امتثاله لهذا الهدف، وأهم مستويات هذه الخطوات هناك:

✓مستوى التمهيد: 

في هذا الجانب يفترض من المدرس أن يختار نصا فلسفيا، تتجلى فيه بصورة واضحة مبررات تأطير الموضوع بشكل عام، و تبيان المفارقة المتضمنة والتي تمكن من طرح الإشكال المرتبط بموضوع النص، حيث  يتم الاستهداف من ذاك تنمية القدرات الجزئية داخل التمهيد-  تأطير الموضوع، المفارقة، الإشكال الذي يطرحه موضوع النص، تم صياغة الإشكال عبر أسئلة-، على اعتبار أن هناك من النصوص الفلسفية ما تتضمن مثل هذه الأفعال التفكيرية التي يقوم خلالها الفيلسوف بتبرير أسئلته وإقناعنا بضرورة طرحها.

✓مستوى التحليل:

يفترض في هذا المستوى أن يتم اختيار النص الفلسفي بهدف تحليل أطروحته وتفكيكها، حيث يكون الغرض منه تدريب المتعلم على مهارة التحليل القائمة على استخراج أطروحة النص وشرحها، تحديد مفاهيم النص وبيان العلاقة التي تربط فيما بينها، تحليل الحجاج المعتمد للدفاع عن أطروحة النص، توظيف المعرفة الملائمة لمعالجة الإشكال المطروح.

✓مستوى المناقشة:

هنا يتم استثمار النص لهدف تمكين التلميذ من مهارات، التساؤل حول أهمية الأطروحة بإبراز قيمتها وحدودها، فتح امكانات آخرى للتفكير في الإشكال الذي يطرحه النص.

✓مستوى التركيب:

غالبا ما يأتي التركيب في سياق العمل بإستراتيجية التدريس بالنصوص بعد العمل على معالجة الإشكال المطروح عبر عدة نصوص، لذلك تحضر هذه اللحظة الأساسية في سياق تمهير التلميذ، في خاتمة كل محور حيث يهدف الأستاذ إلى تمكينه من آلية، استخلاص نتائج التحليل والمناقشة، إمكانية تقديم الرأي شخصي مدعم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق