المرتكزات الكبرى للفلسفة العملية
إن الحديث عن الركائز هو حديث عن قضايا كبرى وهو أمر في غاية التعقيد وما يزيده تعقيدا ضرورة استحضار ما يلي:
المشروعية التاريخية
يقول أرسطو في كتابه ما بعد الطبيعة أن التاريخ يعيد نفسه باستمرار مما يجعل الفلاسفة يبدؤون من بدايات المواضيع في البحث عن القضايا الكبرى، وأهمية التاريخ تكمن في أنه يوضح مسار الأفكار وطريقة التعامل التي يمارسها الجديد مع القديم. كما أن أرسطو تطرق في المقالة -ج- إلى قضية الانتقاء، أي أن المعارف تنتقي بعض مكونتها من البعض بشكل تفاضلي، وكأنه كان يتنبأ بما سيحدث القرن العشرون خصوصا وأنه تكلم عن الخلود في الفلسفة كطريقة للبحث والنظر وتحليل الأشياء.
فيما يخص مسار الأفكار ينبغي أن ننتبه أن كل ما كتبه رواد البراغماتية ينتمي إلى المدرسة الأرسطية وهذا ما أكده وليم جيمس عندما قال: لو بحثنا في تاريخ الفلسفة الإنسانية لوجدنا أقرب مشروع للواقع هو مشروع أرسطو.
الفلاسفة العمليون في إطار مشروعهم التاريخي بحثوا عن الفلاسفة ما قبل أرسطو لأنهم يعتبرونه آخر محطة في بناء الواقع العملي،
تكمن أهمية أرسطو بالنسبة للفلسفة العملية أيضا في تصنيفه للعلوم الذي ظل متمكنا من القضايا الأبستمولوجية حتى اليوم وساهم في بلورة النهضة العلمية والفكرية في القرنين السابع عشر والثامن عشر ميلاديين. حيث ميز بين ما هو نظري وما هو عملي وبين مجال ثالث منهجي تقني يتعلق بكل الآليات التي يحتاجها المفكر أو الفيلسوف وهو يتفلسف وما يتعلق بطريقة الخطابات والبرهنة والاستدلال والكتابة الفلسفية..
الفلاسفة العمليون في إطار مشروعهم التاريخي بحثوا عن الفلاسفة ما قبل أرسطو لأنهم يعتبرونه آخر محطة في بناء الواقع العملي، فقد قاموا بعمل أركيولوجي بحثوا من خلاله عن تاريخ الأفكار معتمدين على الآثار وعلى كتب هيدمونديز وتعلم ا اللغة اليونانية من أجل البحث في كل من هيرقليطس وأنبادوقليس وأيون وبعدها اهتموا بأرسطو باعتباره فيلسوف الواقع.
من ثوابت الفلسفة العملية التي تجسد الحضور القوي لأرسطو هناك تصنيف العلوم،
وقد اعتمد البراغماتيون في تحديدهم للقوانين على القوانين التي سنها حمورابي، ووقفوا عند أرسطو الذي قال في حقه مشيل فوكو أنه عاش في كل الأزمنة. فهو واضع دستور الأثنيين بعد أن فكك كل الدساتير القديمة، ومن تمة خرج بتوصيات مفيدة للحياة الإنسانية.
من ثوابت الفلسفة العملية التي تجسد الحضور القوي لأرسطو هناك تصنيف العلوم، فهو حسب البراغماتيين مفتاح الدخول الصحيح للفلسفة العملية، وهذا التصنيف يفيدنا لأنه يظهر حاجيات لا غنى عنها، وهي:
1- التمييز بين العلوم النظرية المفيدة لكل ما هو عملي؛ فالعلوم النظرية تشكل هيكل مفيد لكل ما هو عملي، ذلك أن فيها ما هو فلسفي وما هو غير ذلك، فما هو فلسفي لم يختلف فيه العمليون مع أرسطو، والمتمثل في الجانب الأنطولوجي لأنهم يعتقدون أن التحول من الحياة الحيوانية إلى الحياة الإنسانية هو تحول أنطولوجي وليس بسيكولوجي، ولأن الأنطولوجيا هي التي تمكننا من مقاربة كل القضايا التي أدت إلى هذا التحول، كما تفيد في الهيكلة الجديدة لهذا الإنسان الذي أصبح يفكر يعي ويشعر ... كما يعتقدون أن الأنطولوجيا هي التي توضح كيف يعتقد الإنسان في الأشياء التي يعتقد فيها كالأفكار الدينية وخلود الروح والحياة بعد الموت..
2- التمييز بين العلوم العملية المفيدة لكل ما هو عملي؛ العلوم العملية هي الأخرى لم يختلف فيها البراغماتيون مع أرسطو،..