مجزوءة السياسة؛ مفهوم الدولة، طبيعة السلطة السياسية
مدخل عام لمجزوءة السياسة:
ينظر إلى الإنسان حسب أرسطو باعتباره، "كائن أو حوان سياسي"، بمعنى أنه يتمتع بنشاط اسمه السياسة، والسياسة بالتعريف تحيل على فن أو عام تدبير شؤون الأفراد وحاجياتهم العامة، داخل جهاز سياسي يسمى الدولة، بحيث يتم اخراجهم من حال الفوضى والعنف، وضمان الحق وسيادة العدالة بين الأفراد أو المواطنين؛ فما المقصود بالدولة، بالعنف، والحق والعدالة؟
مدخل لدرس الــدولــة: دلالة المفهوم وإشكالياته؛
يحيل مصطلح الدولة على الجهاز أو النظام السياسي الذي يحكم تجمعا بشريا عبر قوانين ومؤسسات وأجهزة في مجال جغرافي محدد برا وبحرا وجوا. ومن خلال هذا التعريف يمكن أن نتساءل، ما الغاية من وجود الدولة وما مشروعيتها؟ كيف تحكم الدولة مواطنيها؟ بمعنى أخر كيف تمارس سلطتها؟ وعلى أي أساس تقوم الدولة؟
المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية
الطرح الإشكالي:
إذا كانت الدولة قد اقترنت في نشأتها، حسب
هوبز، بنشأة السلطة، فكيف هي إذن علاقة الدولة بالسلطة؟ ما طبيعة السلطة السياسية؟
وما معنى السلطة السياسية؟ أين تكمن السلطة السياسية للدولة؟ وكيف تمارسها؟ هل هي
سلطة فردية مستبدة أم جماعية ديمقراطية؟ وهل يمكن حصر السلطة السياسية في أجهزة
الدولة المادية منها وغير المادية أم أن السلطة قدرة مشتتة في كل المجتمع؟
موقف نكولاي ماكيافيل؛ تحليل نص: السياسة صراع / الغاية تبرر الوسيلة
يبين ماكيافيلي في كتابه الأمير والذي
يوجه من خلاله مجوعة من النصائح تحدد طبيعة ونوع السلطة السياسية التي يدعو إليها.
فهو لا يرى أي مانع في استخدام الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة، فلكي يبلغ
الأمير أو صاحب السلطة أهدافه بحيث يجعل الناس تحت سلطته، ويخضعون له ولقراراته
وأوامره، "هناك طريقان للصراع، إما بواسطة القوانين أو بواسطة القوة ... وما
دامت الطريقة الأولى لا تفي دائما بالغرض، فإنه من الملائم اللجوء إلى الوسيلة
الثانية". وفي هذا الخصوص، أي عدم كفاية الطريقة القانونية وضرورة استخدام
الطرق غير الشرعية، على اعتبار أن الناس ليسوا جميعهم من الأخيار بل أشرار، لذلك
فأنسب طريقة لفرض السلطة والاخضاع هي تلك التي تقوم على القوة والعنف. لذا ينبغي
أن يتحلى الأمير بصفات الثعلب والأسد معا.
موقف توماس هوبس؛ تحليل نص: الحكم الفردي المطلق / التنين
تتحدد السلطة السياسية من منظور نظرية
العقد الاجتماعي بحسب نوع التعاقد الذي تم بين الأفراد، وحسب هوبز فقد تنازل
الأفراد عن جميع حقوقهم لصالح شخص أو مجلس احتفظ لنفسه بجميع الصلاحيات في اتخاذ
القرار والحكم بالكيفية التي يريد، هذا الشخص أو المجلس ليس طرفا في العقد فلم
يتنازل عن حقوقه الطبيعية كما فعل باقي الفراد، وواجب الفرد قبول "كل فعل
صادر عن هذا الرجل أو المجلس". نفهم من كل هذا أن السلطة السياسية التي أصبح
يتمتع بها الحاكم هي سلطة فردية مطلقة ومستبدة قمعية، فلا يحق للرعية الاعتراض
عليها مهما كان الأمر مادام يضمن الأمن والسلم.
موقف لوي ألتوسير؛ تحليل نص: الدولة مجموعة من الأجهزة
تمارس الدولة سلطة سياسية قمعية
توجيهية من خلال مجموعة من الأجهزة، وهنا لا يمكن حصر أجهزة الدولة في الأجهزة
القمعية كما فعلت الماركسية (ماركس، إنجلز). فهناك أجهزة أخرى تمارس من خلالها
الدولة سلطتها السياسية، وهي الأجهزة الأيديولوجية، وهي أجهزة غير مرئية أو منظورة
بشكل مباشر، "ونقصد بالأجهزة الأيدولوجية للدولة عددا من جوانب الواقع التي
تمْثُلُ أمام الملاحظ المباشر على هيأة مؤسسات متميزة ومتخصصة (...) : الجهاز
الديني، الجهاز العائلي، والمدرسي، والقانوني، والسياسي، النقابي، الإعلامي".
فإلى جانب اعتمادها أجهزة مادية مباشرة، تعتمد السلطة السياسية للدولة على أجهزة
أيديولوجية غير مباشرة تمارس عبرها سلطتها القمعية.
موقف مشيل فوكو؛ تحليل نص: السلطة ليست مجموعة أجهزة
إن السلطة لا يمكن حصرها في مجموعة من
الأجهزة والبنيات التابعة للدولة، وليست نوعا من الاخضاع أو الهيمنة القانونية
التي يحاول الكثيرون تأكيدها، فالسلطة بمثابة قدرة منتشرة في عموم المجتمع، بحيث
إنها لا تنفصل عن المجال الذي تمارس فيه من طرف فاعلن وقوى متعددة تفعل داخل ذلك
المجال لتنظيم العلاقات فيما بينها.
يتضح كيف أن السلطة لا ترتبط بمجال
محدد كمجال الممارسة السياسية بل تتجسد في كل الجسم الاجتماعي، في كل وضعية أو
موقف معقد في المجتمع. يقول فوكو: "لاشك أننا ينبغي ألا ننظر إلى السلطة على
أنها مؤسسة أو بنية، ولا على أنها قوة خولت للبعض، إنما على أنها الاسم الذي نطلقه
على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين".
موقف مونتسكيو
يؤكد مونتسكيو أن السلطة السياسية لأي
دولة ينبغي أن تقوم على ثلاث سلط أخرى وهي السلطة التشريعية، والتنفيذية، والسلطة
القضائية، وبين أن هذه السلط لكل منها اختصاصاتها ولا ينبغي الجمع بينها وذلك حتى
تكون السلطة السياسية ديمقراطية وعادلة، أما إذا اجتمعت كلها في يد شخص أو هيئة
واحدة فذلك يعني غياب الحرية وسن قوانين استبدادية، فيصبح القاضي أو من بيده الحكم
هو المشرع نفسه، وبالتالي يمتلك قوة القامع. إن الحق في الحرية وفي حياة مطمئنة
يشترط ألا تجتمع السلط الثلاث بين يدي شخص واحد، وهذا يعني أن السلطة السياسية لا
ينبغي أن تنحو إلى القمع والاستبداد.
موقف ألان تورين
ينتقد ألان الأنظمة السياسية الكليانية أي السلطة السياسية القائمة على حكم الحزب الواحد والاستبداد بالحكم وإصدار القوانيين والأحكام، بحيث يتمتع الحاكم؛ رئيس أو زعيم الحزب بسلطة مطلقة. ويؤكد في المقابل على أن الديمقراطية تقتضي أن تحمل السلطة السياسية على عاتقها "احترام الحقوق التي تتسع دوائر حدودها يوما بعد يوم، وهذه الحقوق هي الحقوق المدنية أولا، ثم الحقوق الاجتماعية والثقافية ثانيا".
موقف جان بيشلر: تحليل نص السلطة والمجتمع
يرى بيشلر أن كل سلطة
منظمة، أي كل دولة تُقدِمُ على استعمال ثلاثة عناصر تمتزج بينها بنسب متفاوتة حسب
خصوصياتها (الدولة): القوة السافرة، الحظوة والنفود المعنوي أو الرمزي، والكفاءة
التقنية والإنجاز. وعندما يختل التوازن بين تلك العناصر تميل السلطة إلى الاستبداد
القوة والعنف، ودور المجتمع يتمثل في الحرص على التوازن والعمل على مضاعفة الإيجابيات
والحد من السلبيات. "على كل مجتمع أن يُوجِدَ الحلول التي تمكن السلطة من مضاعفة
إيجابياتها والحد من سلبياتها. إن السلطة شيء ملازم للمجتمع ولا يمكن الفكاك
منها".
موقف عبد الرحمان ابن خلدون؛ تحليل نص: السياسة اعتدال
يدعو عبد
الرحمان ابن خلدون السلطان أو الحاكم بأن لا يكون قاهرا باطشا بالعقوبات لأن ذلك
سيؤدي بالرعية إلى الذل والخوف، أي فساد أخلاقهم ما يدفعهم إلى الكذب والمكر
والخديعة، لذا نصحه بأن يكون معتدلا في حكمه لا متسلطا "منقبا عن عورات الناس".